في أسبوع واحد إسرائيل تحاصر الأقصى والمجلس النيابي يحاصر يوم الجمعة للدكتور محمد علي ضناوي

26 تموز/يوليو 2017

شهد الأسبوع الفائت من تموز الجاري حدثين بارزين خطيرين، ننفي بدءاً الترابط بينهما، هما: حصار العدو الإسرائيلي للأقصى الشريف وحصار يوم الجمعة المبارك، من قبل المجلس النيابي اللبناني.

ومشت أيام الأسبوع شديدةً بطيئة كئيبةً مضطربة، كأنها تسير في خضم هذيان رهيب.
فقد فوجئت الأوساط الإسلامية في لبنان بما جرى في مجلس النواب اللبناني يوم 18/7/2017 الذي لم يتحرك باتجاه القدس بأي شجب أو تضامن أو أقله دعوة البرلمان العربي ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن الدولي للانعقاد الفوري. وبينما الإقليم العربي برمته يشهد هدر الدماء وهدم البناء أو المقاطعة والمخاصمة، ينخرط البرلمان اللبناني بتغيير الدوام الرسمي للبلاد وتعديله، وكأنَّ الدوام أم المشكلات وبه تُطهَّر الإدارات من الفساد والترهل ويقبل الموظفون على العمل الجاد(!!) وينجو لبنان من كل مَنْ أراد به شراً أو يريد(!!).
ذكَّرنا مجلس نوابنا الأشم بزعماء القسطنطينية إذ راحوا يتحدثون عن جنس الملائكة بينما عدوهم يدق أبوابهم. ونحن هنا أيضا نتلهى بالدوام بينما عدونا يحاصر الأقصى المبارك ويمنع الصلاة فيه ويواجهه المقدسيون بصدورهم العارية ويثورون في وجهه بالغالي والنفيس، وأئمة العرب تعاني ما تعانيه بينما سوريا والعراق يختلجان ويئنّان، واليمن مذبوح وليبيا في تقاتل مستمر، ولبنان عند حدوده الشرقية يشهد المعارك والغزوات...، كل ذلك لا يهم وما يهم البرلمان العملَ يوم الجمعة وتعطيل السبت (المفدى)!!.
أما وقد اكتفى برلماننا العتيد بالتلهي بالدوام معتديا على حقوق المسلمين في قدسية يوم الجمعة. كان لزاما علينا أن نبين الموقف أمام الله ثم البرلمان والحكومة والتاريخ، ونحمِّل الجميع خاصة رؤساؤنا ونوابنا (المسؤولية الكبرى).
اذاً ... هكذا وبدقائق معدودات تغير دوام موظفي الإدارات دون تعليل أو دراسات، وأُعلن السبت والأحد يوميْ عطلة أسبوعية، مما عنى عدواناً سافراً على يوم الجمعة، وهو عيد أسبوعي وعبادة للمسلمين. ومن المفارقات البشعة أن هذا "الاعتداء" جاء باقتراح من رئاسة البرلمان، بالتأكيد بغير قصد العدوان. فبحضور جميع النواب المسلمين من كل الفئات والرؤساء "الأشاوس". للحكومات وبصمتٍ مطبق من الجميع كأن على رؤوسهم الطير، باستثناء النائب عماد الحوت الذي اعترض وغرد خارج سرب البرلمان، أُقِرّ الدوام الكامل ليوم الجمعة إلى الساعة الثالثة والنصف، مع إعطاء الموظفين المسلمين ساعتين: للصلاة و"الغداء" ليعودوا إلى دوائرهم استكمالاً للدوام المشؤوم الجديد، ليمضوا فيه ساعة ونيف لتعلن ساعة البرلمان الثالثة والنصف بالتمام والكمال وهي ساعة الانصراف الجديد !! (ولا ندري أيكون للمسلمين بدل نقل جديد أو لا؟!!.) ثم لا بد هنا من التساؤل هل سيكون هذا الدوام ساريا على المحاكم العدلية والشرعية ودور الفتوى والمؤسسات الإسلامية والجامعات والمدارس!! وهنا تكون الطامة الكبرى!!.
لا نتردد هنا بالقول: إنّ موقف النواب، مسلمين ومسيحيين، بما فيهم حضرات الرؤساء، معيب ومخجل ومناقض لشرف تمثيلهم للمجموع الإسلامي في لبنان، كما هو مناقض للوحدة الوطنية والاحترام المتبادل بين الطوائف. وكان أقل الواجب على النواب المسلمين احترامُ (دينهم) الذي به وصلوا إلى النيابة والى الرئاسة، كما كان على النواب المسيحيين أن يرفضوا توجيه الأذى إلى إخوانهم في الوطن حفاظاً على الوحدة الوطنية وميثاق الاحترام المتبادل.
* * *
عانينا من محاولة الاعتداء على (الجمعة) منذ عهد الانتداب عندما أُقِر العمل يوم الجمعة مع إعفاء المسلمين من الدوام ساعة واحدة للصلاة. ليعودوا لاستكمال الدوام الرسمي.
ثم في عام 1973 عندما قرر مجمَّع بعبدا الحكومي برئاسة الرئيس (سليمان فرنجية) إقرار العمل يوم الجمعة وإعطاء المسلمين ساعة واحدة للصلاة واليوم في عام 2017 تكرَّم الرئيس بري بساعتين منها واحدة للغداء كما أشيع، لكن على المسلمين العودة إلى الدوام، بمعنى آخر، أن قانون اليوم مقتبس من المستعمر "الجنرال" الفرنسي المشؤوم ولكن مع إضافة ساعة أخرى وتعطيل السبت (المفدى) !!!.
في العام 1973 واجَهْنا يومئذ والمجتمعُ المسلم وقياداتُه ومع سماحة مفتي الجمهورية الشهيد الشيخ حسن خالد قرارَ مجمع بعبدا بالعمل يوم الجمعة كاملاً وطرحنا، إضافة عليه، حقوقَ المسلمين بدءاً من الدستور إلى القوانين إلى التجنيس إلى مراكز النفوذ والإدارات الكبرى في الدولة ... ثم لما طرحنا بالفم الملآن (الجمعة كما الأحد) وبعد أن تجاوبت المدن الإسلامية في لبنان فتعطلت فيها الإدارات والبنوك والمؤسسات كاملَ يوم الجمعة، وبعد أن عانت البلاد من إشكالية كبرى، قدّم الرئيس رشيد كرامي (رحمه الله) الحل الوسط القاضي بالإبقاء على الدوام الرسمي السابق أي إلى الساعة الثانية بعد الظهر ما عدا يوم الجمعة فالتعطيل للجميع، مسلمين ومسيحيين، احتراما لقدسية هذا الوقت، بدءاً من الساعة الحادية عشرة وتبنت الحكومة (السلامية) ذلك رسمياً... ثم سارت الأمور على هذا المنوال.
على مضضٍ يومئذٍ سكتنا... فالبلاد دخلت آتون الحروب، وبعدها وُضِعَ دستورُ الطائف الذي أكد ميثاقيةَ الطوائف إلى أن فاجأتنا حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 2013 بمشروع الموازنة الذي تضمن تحت باب الإصلاح الإداري مسألة العمل بعد الظهر حتى الرابعة طيلة أيام الأسبوع باستثناء الجمعة إلى الساعة الحادية عشرة، ليكون التعطيل بدءاً منها ويومي السبت والأحد، وهكذا فإنّ أمر التعطيل لا علاقة له بالإصلاح كما أن إدماجه في مشروع الموازنة تسلل غير مشروع واختلاس مقصود بوضع الناس تحت الأمر الواقع، ولما لم ينعقد مجلس النواب للنظر في مشروع الموازنة أُوْدِعَتْ الأدراج لتبعث من جديد في حكومة العهد الأولى وضمن مشروع الموازنة أيضا وفي ظروف قاسية تلف العالم العربي ولبنان في سلسلته الشرقية، وبينما الأقصى يُحتل وفلسطين تغلي... والناس مشدودة إلى هنا وهناك. ووسط هذا المشهد الدرامي يُدعى المجلس النيابي ليبحث موازنة البلاد ويمرر التسلل غير المشروع في مسألة الدوام مسقطاً في لبنان رمزية الجمعة وقدسيتها. وتم ذلك، مع الأسف الشديد، بأيدي السادة ممثلي الأمة المسلمين !!!
ولولا تدخل الرئيس بري، على أثر مناقشة شكلية في البرلمان، مسارعاً إلى طرح (حلِّه غيرَ المقدس) وهو تعطيل المسلمين ساعتين للصلاة والغداء في يوم الجمعة بينما يبقى زملاؤهم من الطوائف الأخرى في الإدارات. طبعاً هذا التدبير سيشل الإدارات لغياب المسلمين أو يخْتَلّ، فلا يعود في الدوام بعد ظهر الجمعة نفعٌ ولا إنجاز، إلا إسقاط رمزية الجمعة التي على الرئاسات والحكومة وسائر الطوائف احترامها والالتزام بها إذ هي ترمز إلى المسلمين في البلاد وهم يشكلون عددياً الطائفةَ الأكبر.
السبب، في هذا الإجراء غير المنصف، كما ذُكِر، أن اجتزاء الدوام يومياً نصف ساعة بدل الرابعة كما في مشروع ميقاتي، ليصبح إلى الثالثة والنصف، فيخسر الدوام الأسبوعي ساعتين. وعلى هذا لا بد من تحميل يوم الجمعة هاتين الساعتين. وبناء عليه بَصَم على (الحل السيء) رؤساءُ الحكومة والسادةُ النواب (الأجلاء) الذين على ما يبدو نسوا أنّ انتخابات قادمة ستجري في البلاد، وسيُحاسَبُون على الافتئات الكبير على المجتمع المسلم بسبب موقفهم المشين وتنازلهم عن يوم الجمعة، كما قد يفسر مغالُون ذلك انه تنازل لصالح سبت اليهود الذين كادوا ويكيدون للبنان ولدنيا العرب، ويحاصرون الأقصى الشريف الأسير بدون خجل ولا حياء.
* * *
أمام هذه المعضلة الجديدة ــ القديمة وبسبب الاعتداء على رمزية يوم الجمعة وقدسيته، وبعد تخاذل النواب مسلميهم ومسيحيهم، وبعد تجاوز مفهوم الوحدة الوطنية وهدفِها وتجنبِ ما يسيء اليها....
وانطلاقاً من الدستور الذي ينص في مادته التاسعة على احترام الأديان ومنها الإسلام الذي أعلن بلسان رسوله الكريم في يوم جمعة (يا معشر المسلمين إنّ هذا يومٌ جعله الله عيداً).
وأمام هذا التحدي الذي يسيء إلى الدوام الرسمي ويزيد من تعقيداته بدل حلها، والتي لا علاقة ليوم الجمعة به تحديداً، وإنما تعود تلك التعقيدات إلى أمور أخرى، منها: الفساد المستشري، والميوعة في الرقابة والتفتيش والغلاء الفاحش الذي برر للموظف نفسه أخذ (البرطيل) وتعاطي الرشوة...
أمام هذا التحدي الجديد نلجأ إلى سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، ومعه إخوانه المفتون والمجلس الشرعي الأعلى، ليأخذ المبادرة في معالجة هذه المسألة الخطيرة وليبنِ بقوة سداً في وجه الطوفان الآتي وليحمل الراية، كما سلفه الأسبق الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله، وسينجح بإذن الله، ويحفظ قدسية الجمعة ورمزيته أمام الله والتاريخ والأجيال.
أمّا إذا غُلّقَتِ الأبواب وصدر قانونُ الموازنة "المشؤوم" (من هذا الوجه)، فضلا عن الأثر الغليظ للضرائب والرسوم الجديدة على الناس والبنية الاقتصادية للبلاد، فلنا أن نسأل بجدية، هل يتقدم "حامي الدستور" الرئيس ميشال عون ويؤكد انه للجميع، ويقدم الطعن بقانون الموازنة مضيفاً إلى أسبابه، التي يعتقد هو بصحتها، سبباً جوهرياً آخر ألا وهو المحافظة على الوحدة الوطنية وعلى رمزية الجمعة عند سبعين بالمئة من شعبه و هم المسلمون؟..!!
أم أنّ الرئيس نبيه بري يدرك أن (اقتراحه) الفوري كان عجولاً بل (فيه خطأ فادح إذ ليس كذلك تورد الابل) فيجدُ المخرجَ القانوني والنظامي، وهو أستاذُ الإخراج والإحراج وتدوير الزوايا، فيصحح تلك الغلطة التي توازي الألف وأكثر!!! وأيضاً يُخْرِج البلاد من آفة خطيرة نحن جميعاً نرفضها وبغنى عنها!!!. 
أم يتقدم أحد النواب، وهو عماد الحوت المعترض الوحيد من بين النواب، على هذا التعسف التشريعي، ولِمَ لا يكون معه عشرة نواب أو اكثر من الذين قد يدركون أنهم بتصويتهم غير المقبول أخطأوا خطأ فادحاً فيوقِِّعون معه ــ تكفيرا عن خطيئتهم ــ على مشروع قانون لإسقاط (الجريمة) التي ارتكبت ظهر الثلاثاء 18 تموز 2017.
السؤال: أي ذلك يكون؟ ما نتمناه أن نصل إلى إقرار رمزية "الجمعة" وقدسيتها وكفِّ العدوان عليها ورفع الحصار عنها نهائياً لا رجعة فيه!!!.وليتدبّر الراغبون في العطلة الأسبوعية المديدة على غير حساب "الجمعة" والى الأبد.
وختاماً نذكِّر، إن نفعت الذكرى، أن لبنان عربي والبلاد العربية تعطل يوميْ الجمعة والسبت!!